علاج الملل من القراءة

8

علاج الملل من القراءة

القراءة عالم موازٍ يمكنك أن تحيا فيه بكل جوارحك، فتشعر وتلمس وتسمع ما أوليته اهتمامك أثناء قراءتك، القراءة هي المنجم الذي يحتوي جميع الكنوز، ما تخيلته وما لم تتخيله.

هي وسيلتك لتحلق عاليًا بغير جناحين، وتكسر قيود روحك وتكتسب حميد الخصال وتتخلص من مذمومها، فقط بالقراءة، القراءة أداة بناء المجتمع الواعي المتحضر والمثقف.

ولأنه إذا هبت رياحك فاغتنمها فعقبى كل خافقةٍ سكون، لا يسلم الأمر من مرحلة فتور وتراجع، وإدبار غير مبرر، وإحساس بعدم الرغبة في فتح كتاب ولا رؤية حروف الكلمات، فما هو علاج الملل من القراءة وكيفية علاج الملل من القراءة؟

علاج الملل من القراءة

لماذا نقرأ

علاج الملل من القراءة هو الطريق الصحيح للقراءة المثالية، وتقويم سلوك وفكر الإنسان، طريق النور، طريق التعلم، والإبداع، أداة المعرفة، وبناء الحضارات، أول أمر إلهي في الإسلام [اقرأ].

حرص عليها الغرب والتزموا بها؛ فصعدوا للقمر، واخترعوا الطائرة، الغواصة، الصاروخ، السيارة، والقطار.

علاج الملل من القراءة شخصوا الأمراض، أنتجوا العقاقير، المعدات الطبية، الآلات الزراعية، التلفاز، الراديو، الحاسوب، الإنترنت، و الهاتف…

وبدون ما اخترعوا ، وابتكروا  ما كنا لنتحدث أنا وأنت من خلف شاشة، وكل منا في بلد، ولا يعرف أحدنا  الآخر.

درسوا النفس البشرية، ووضعوا النظريات التي تحلل السلوك والأمراض النفسية، حتى المجتمعات، وتطورها،  ومشاكلها وضعوا لها النظريات التي تسهل فهم تغيراتها.

هل تعتقد أن الوحي نزل عليهم من السماء؟؟

ليوضح كيف يعمل المحرك، وأي وقود يصلح للطيران، وأن الأشعة السينية لها وجود، وهل يمكن أن يكتب شخص مثلي الآن ما أفكر فيه، فيقرأه شخص آخر يبعد آلاف الأميال في الحال ويفصلنا بحار ومحيطات؟! تعتقد هل حدث سحر ما، أو معجزة نقلت لهم كل هذه الأسرار؟

لم تحدث معجزة، ولم ينزل وحي من السماء،  ولم يمنحهم الله عقل أكبر حجمًا من عقولنا.

الكبار وعلاج الملل من القراءة

هل تعتقد أن إسحق نيوتن، آرشيمدس، أديسون، تسلا  ،آينشتاين ، باستير، ماكس بلانك، أفلاطون، أرسطو، ماركيز، فيكتور هوجو، آدم سميث، شكسبير، تولستوي وغيرهم الكثير ممن ندرس نظرياتهم، ومخترعاتهم، وآدابهم، في كتبنا، ومناهجنا، لكي يبتكروا، ويدرسوا، ويستنتجوا، ويبدعوا  هكذا في كل المجالات وتوصلوا إلى علاج الملل من القراءة.

هل كانت تتوفر لهم كل سبل الراحة، والقصور، والجواري، والخزائن، والخدم؛ حتى لا يضيع وقتهم أو تزعجهم مشكلة؟

أو خصصوا لهم من يرفه عنهم، ويكسر الملل، عندما يتسرب إلي نفوسهم من البحث، وعلاج الملل من القراءة والاطلاع؟؟

أغلبهم عانى الفقر المدقع، والمعامل الرديئة أسفل قبو ، أو في جراج  المنزل، ومنهم من كان بلا مأوى من الأساس، منهم من كانت لديه مشاكل أسرية، وانفصال، وعدم استقرار.

تأمل علاج الملل من القراءة:

سل آينشتاين عن قيمة جائزة نوبل فيم استخدمها؟ ستعرف أنه أنفقها على طلاق زوجته.
وسل ماركيز عن رائعته مائة عام من العزلة كيف جمع المال لينشرها؟!!
سل أديسون كم عاني لكي ينجح مشروع المصباح الكهربي؟

ولكن العامل المشترك لكل نجاحاتهم، كان الاطلاع والبحث في علوم من سبقهم بالقراءة وعلاج الملل من القراءة، وما البحث إلا القراءة، وما الإبداع إلا نتيجة كثرة المدخلات، وتحليلها، ومقارنتها؛ لتخرج بجديد بالرجوع إلي علوم من سبقهم.

ستجد أجدادك من علماء المسلمين توصلوا إلى علاج الملل من القراءة الذين استجابوا لأمر الله ، وانشغلوا بالبحث والقراءة، ووضعوا القواعد، والمبادئ والتي كانت حجرا رصينا في ما تلاها من نظريات علي أيدي  علماء الغرب.

وسل ابن النفيس عن التشريح والدورة الدموية، واسأل ابن الهيثم عن الفيزياء، والتصوير  والكاميرات، وخياله وابداعه في تفسير كيفية التقاط صورة؟
ثم تطوير الفكرة علي أيدي علماء الغرب فصارت فيديو ثم عرض سينمائي ثم هوليوود الآن.
ترحم علي عباس بن فرناس؛ لجموح فكره وعقله وتصوره أنه بإمكان البشرية أن تطير وتحلق في السماء كالطيور قبل الأخوان رايت مخترعي الطائرة.
سل ابن حيان عن علم الكيمياء، وسل أبو بكر الرازي عن الطب وعلاج الأمراض وخياطة الجرو ، وسل ابن رشد عن الفلسفة ..سل وستجد الإجابات.

كيفية علاج الملل من القراءة

سبب الملل من القراءة

علاج الملل من القراءة وهجران القراءة سوء تفاهم غير مقصود، بين القارئ والقراءة ، قد يكون أساء إليها بشمول واختصار مفهومها.

[ في القصص والروايات فقط ، الكتب العلمية فقط ، التحليلات السياسية ، و التاريخ فقط ، الفلسفة والنفس البشرية فقط ، أو غلبته نزعته الدينية، بدون قصد ، أو بحسن نية ، وجعل  القراءة مقتصرة  علي كتاب الله عز وجل].

برغم أن كتاب الله يدعوا للبحث، والقراءة، والتأمل، والتدبر، والإبداع في النفس البشرية، وفي كل مخلوقات الكون، وفي بديع صنع الله، لكي يستطيع الإنسان عمارة الأرض التي استخلفه الله فيها لعبادته وعمارتها.

ونتيجة لهذا الحصر والإلزام لمفهوم القراءة:

[عاقبته القراءة بهذا الجفاء، والملل، وحدث الهجران]

أي شخص يسئ إلينا، ويقلل من شأننا نغضب منه، ونعاقبه، أو نهجره بلا رجعة.

كذلك القراءة عندما يكون مفهومك عنها مختصرًا، ومقتصرًا في بحر واحد من بحورها، سينالك غضبها، وهجرانها، ولكي نصلح سوء التفاهم، ونعالج هذا الملل، وننجو من عقوبة القراءة، وغضبها، ونفهم شمولها وفائدتها، وطريقة التعامل معها.

علاج الملل من القراءة

خطوات علاج الملل من القراءة

الخطوة الأولى

لابد لكل قارئ أن يقسم القراءة في عقله إلى:
القراءة الروحية والدينية

وهي قراءة  كتاب الله عز وجل بتدبر،  لتنال أجرا في آخرتك، وفهما لمسائل دينك و دنياك، و تنير قبرك، وترفع درجتك في جنات النعيم ، وتبدل سيئاتك حسنات .

ما أكثر سيئاتنا وما أكثر أجر قراءة الحرف الواحد من كتاب الله عز وجل.

ولو قرأت كتاب الله بتدبر؛  لاكتشفت ما يبهر عقلك من بديع صنع الله، وكيف استلهم الإنسان من خلق الله ما تراه من مخترعات الآن.

ستجد أن القرآن الكريم مشتملا على كل العلوم الدينية، والروحية، والنفسية، والعلمية  أو ما نسميها  العلوم الطبيعية.

يليه كتب السنة، والحديث والتفاسير والفقه فالقراءة هنا تكون الفائدة منها في الدنيا والآخرة.

[ ولن يسعد أحد بحفاظك عليها،  ودخولك الفردوس الأعلى من الجنة، ونجاتك من النار وكذلك لن يشقى أحد غيرك، أو يتألم لألمك إن هجرتها، وكنت جاهلا بدينك، ورجحت كفة سيئاتك، وكان مصيرك عافانا الله وإياك العذاب والشقاء] .

الأمر كله لك في ما يخصك بعلاقتك بربك، ودرجة التزامك بدينك، والقراءة هنا حرية شخصية.

وفي سبيل علاج الملل من القراءة، لا تشمل مفهوم القراءة في العلوم الدينية؛ فهذا ليس بصحيح، الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال “أنتم أعلم بشؤون دنياكم ”

ومعنى ذلك أن لدنيانا شؤون وأبحاث وقراءات ومجالات كثيرة.

الخطوة الثانية

تركيز القراءة في مجالك، وتخصصك لتكتسب الخبرة

فإن بناء خبرة المهندس الزراعي أو غيره من التخصصات لن يكون فقط بتكرار نفس العمل مع نفس الموظفين يوميا وإنما يكون بالقراءة ، والبحث عن الجديد.

الطبيب:

يقرأ في التشريح، والفسيولوجي (علم وظائف الأعضاء)، والباثولوجي (علم الأمراض) وأحدث الأبحاث العلمية في تشخيص مرض معين، أو دواء جديد  ابتكرته شركة أدوية، أو جهاز جديد لعمل أشعة معينة.

المهندس:

يقرأ عن فكرة، أو أسلوب، أو شرح جديد لمواد بناء، أو آلة جديدة  لقياس الزوايا ومسح الإحداثيات.

المحاسب:

يقرأ و يبحث عن برنامج محاسبي جديد يوفر الوقت، والأوراق،  والجهد؛ ليتعلمه وليتمكن من العمل في شركة أكبر ويطور من نفسه ومن دخله.

المدرس:

يقرأ في نظرية جديدة، أو بحث عن الجديد في أساليب التربية، والتدريس وهكذا في كل المهن.

متى نستغني عن القراءة؟

لن تتطور وتبدع إلا بالقراءة وليس بتكرار العمل يوميًا فالقراءة هنا إلزامية، ولك أن تختار إما الرضى بوضعك الوظيفي الحالي ، وتترك القراءة مللًا منها أو تقرأ لتحقق مستوى وعي ودخل أعلى.

أهمية القراءة في بناء خبرة المهندس الزراعي والتي تعد من أكثر المهن حاجة لاستمرارية القراءة والتعلم.

فكل يوم هناك أسلوب جديد في مقاومة آفة ما، كل يوم هناك جديد في الآلات والميكنة الزراعية، كل يوم هناك جديد في سلالات الشتلات والتقاوي والبذور والهجن.

كل يوم هناك جديد في برامج التسميد والتغذية، والأهم من الجديد هو أن مهنة المهندس الزراعي ليست فنية فقط.

بل هي مهنة اتخاذ القرارات، واتخاذ القرارات من الأمور الحساسة التي لا تتحمل أخطاء، فكل قرار يساوي استثمار بمئات الآلاف، أو الملايين من الجنيهات.

ولا قرارات صحيحة  لمن لا يملك المعرفة، ولن تأتي المعرفة إلى العقل ليحللها إلا بالقراءة والبحث.

الخطوة الثالثة

تخصيص وقت القراءة للترفيه وإثراء اللغة والعقل (القراءة الإبداعية)

من أهم أساليب علاج الملل من القراءة أن تجعل لك حظًا من الروايات، والقصص  الرومانسي منها والدرامي والبوليسي والسياسي والتي تمتعنا وتجذبنا لدرجة البكاء علي موت بطل الرواية.

أو تجعل النوم يهجر مضاجعنا تفكيرا في حل اللغز أو نشوة  في قلوبنا بحلاوة وعمق الكلام، وسحر البيان.

والتي تؤثر علي سلوكنا ونظرتنا للحياة وطريقة تفكيرنا وتدخلنا في عوالم سحرية بعيدة عن واقعنا الفوضوي المتهالك.

و هي من أفضل القراءات إثراء للروح والفكر والعقل وأعتقد أن هذا النوع  لا ملل منه ولا هجران إن أحسنت اختيار ما تقرأ.

ولتعلم بأن هذا الجزء يمكن أن يندرج تحته الكتب، والحقائق العلمية لعشاق العلم والبحث؛ فهم يجدون نفس القدر من المتعة في قراءة بحث علمي، أو نظرية، تماما كقراءة رواية درامية ملحمية.

ومن هنا يأتي الإبداع بسلاحيه الشغف بالشيء وإثراء العقل بالقراءات.

بعد هذا التقسيم لمفهوم القراءة أعتقد أنه من الأولى البحث عن وقت للموازنة بين كل نوع ، وإعطاءه قدر ونصيب، من ورد القراءة اليومي؛ فعقولنا جائعة ومشتاقة للمعرفة، والتطوير.

علاج الملل من القراءة

الخطوة الرابعة

أعد تصحيح نظرتك للقراءة

إذا نظرت للقراءة نظرة مختلفة ملاطفًا لها، منوعًا بين أقسامها، محسنًا اختيار ما تقرأ .

إذا كنت تشعر بالوحدة أو الضياع قليلاً، يمكن أن يكون الكتاب أيضًا أفضل صديق لك، قد يبدو الأمر سخيفًا نوعًا ما، لكنه لا يمكن أن يكون أكثر واقعية ولا يوجد ما يُخجل منه. لقد كنا جميعًا هناك، ويمكننا جميعًا استخدام قراءة جيدة وبعض الراحة ..

يمكن أن توفر القراءة حقًا إحساسًا بالانتماء، مما يمنحنا إحساسًا بالأمل في الأوقات الصعبة، ويذكرنا أننا لسنا وحدنا، يمكن أن تكون القراءة عن الآخرين الذين مروا أيضًا بأوقات عصيبة وتمكنوا من مواجهة تحدياتهم بمثابة مصدر إلهام حقيقي. إذا تمكنوا من تجاوزها ، فيمكنك أنت أيضًا! في بعض الأحيان، الكتاب الجيد هو بالضبط ما نحتاجه لمواصلة العمل.
إذا كنت لا تزال غير مقتنع أو غير متأكد من أهمية القراءة علاج الملل من القراءة، أو تشعر كما لو أنها ليست مفيدة لك شخصيًا ، فمن المهم أن تلاحظ أن القراءة تساعد في الواقع على تحسين التركيز. يمكن للقراءة أن تدرب عقولنا على كيفية التركيز بشكل صحيح ، وهو أمر لا يقدر بثمن في كل ما نقوم به تقريبًا على أساس يومي – سواء كان ذلك أثناء دراستنا أو حتى في وظائفنا وفي علاقاتنا الشخصية. يمكننا جميعًا الاستفادة من ممارسة مهارات التركيز لدينا.

أحد الأسباب العديدة لأهمية القراءة وضرورة علاج الملل من القراءة هو أنها تسمح بالتفكير الإبداعي. يمكن للقراءة أن تلهمك عندما تشعر بالملل أو بالإحباط .. يمكن أن تساعدك في إعطائك هذا الانتعاش الذي تشتد الحاجة إليه دون الحاجة إلى البحث كثيرًا عنه. تساعد القراءة في الحصول على الجانب الإبداعي من عقلك في التفكير ، على عكس التلفزيون الذي لا يستخدم في الواقع الكثير من قوة الدماغ الإبداعية.

فهي كطبق الفاكهة كلما تنوع أكثر كلما اشتهيته أكثر، متجنبا المحبط، والسفيه، والمزعج من الأخبار اليومية.

ومبتعدا عن منغصات النفس، من تجار الإعلام، أو مروجي الإشاعات، والمبالغات تسويقا لمنتجات، و ماركات، لن يحدث الملل أو الهجران أبدا أبدا .

وأخيرًا

حول علاج الملل من القراءة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ، فليغرسها” تخيل رغم ما ذكر في القرآن والسنة من أهوال القيامة ومصائبه..

يأمرنا النبي  صلي الله عليه وسلم بالغرس المثمر حتى لو كان أخر يوم لك في الدنيا وأنك ترى الفواجع والأهوال من أهوال يوم القيامة.

ومعنى ذلك أنه مهما رأيت، أو سمعت من أحداث، وأخبار وكوراث، وأوبئة لا تكف أبدًا عن العمل الطيب، حتى لو لم يتبق من عمرك سوى يوم واحد.

غرس المعرفة، والعلم، والحكمة في العقل بالقراءة  لا يقل أبدًا في قيمته وعظيم أجره، كغرس فسيلة لشجرة مثمرة.

Show Comments (8)
error: Content is protected !!