يوسف الصديق عزيز مصر

4

يوسف الصديق عزيز مصر

أحسن القصص

بينما تبحث النفس البشرية دائمًا عن الإلهام والقدوة فيمن حولها، لتسكن وتستقر وتستمد الأمل والقوة للمواصلة، تتجلى حياة الأنبياء لتهدئ من روع هذه النفس، وتهبها الحياة.

فيبدو للمتأمل كفاحهم وصبرهم على البلاء، وسمو نفوسهم، والتزامهم معالي الأمور والبعد عن كل ما فيه شبهة معصية لله تعالى. وليس هذا فقط ما علّموه للناس، فبعيدًا عن رسالتهم التي تدعو للتوحيد.

فقد علموا الناس كيف يعيشون حياةً ذات جودة وكيف يحوزون أعلى مراتب الدنيا، وجاء كل نبي بمعجزة تسكت قومه فيما برعوا فيه.

فعندما برع العرب في اللغة والبيان والمعاني من الكلام فكان كتاب الله عز وجل القرآن الكريم المعجزة والدستور القائم منذ أرسل الله نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلي أن يأذن الله برفع القرآن.

ولما أتقن سحرة فرعون فنون السحر، كانت معجزة النبي موسى عليه السلام هي التفوق عليهم بإرادة الله وبعصاه فيما يبرعون فيه وكان النصر المبين والمعجزة التعجيزية لكذب وضعف هؤلاء السحرة.

يوسف الصديق عزيز مصر

ومن أكثر القصص إلهامًا وقوة هي قصة يوسف الصديق عزيز مصر، الذي جعله الله على خزائن الأرض، فيعلمنا كيف أن حسن التوكل على الله واللجوء إليه يرفع العبد من غيابات الجب إلى أعلى المناصب، وعليه كان لا بد أن نتأمل في قصته مليًا لنستمد الأمل.

عندما كان نبي الله يوسف الصديق عزيز مصر في السجن في مصر جراء فتنة امرأة العزيز، يدعو الفقراء ورفقاء السجن إلي دين التوحيد وترك عبادة الأصنام والآله ليوسف الصديق عزيز مصر هة المدعاة من الصخر والحجر، وعندما أراد الله عز وجل وأذن للدعوة أن تعم أرجاء مصر، كان لابد للصديق يوسف عليه السلام أن يتفوق على ما يتقنه أهل مصر في ذلك الزمان وبالأخص مراكز القوة في الدولة المتمثلة في كهنة آمون وبراعتهم في علم تفسير الأحلام والتكهن وما إلى ذلك.

والشق الثاني من معجزته عليه السلام هو ريادة أهل مصر في الزراعة والحصاد وتقسيم الأراضي والري ومواسم الزرع والحصاد في ذلك الزمان، حيث أن أساس بناء حضاراتهم ودولتهم واستقرارهم في وادي النيل كانت الزراعة.

تأييد الله لنبيه

وبتأييد من الله ونصره لنبيه الصديق يوسف أتاه علم التأويل، وكذلك علم الزراعة والحصاد، وعلم تخزين الحبوب لسنوات دون أن تفسد أو تلتهمها الآفات، فبعد رؤيا حاكم مصر للسبع بقرات السمان والسبع العجاف والسبع سنبلات الخضر والأخر اليابسات، وتأويل الرؤيا والتيقن من أن خطرا يتربص بأرض مصر وأهلها متمثلا في الجفاف والقحط والجوع، فلا ماء ولا زرع لسبع سنوات متواصلة.

كان يوسف الصديق عزيز مصر هو المختار والمعيّن من قبل حاكم مصر لإدارة تلك الأزمة، يوسف الصديق عزيز مصر وهو الشاب الكنعاني مديرا للزراعة وخزائن مصر، أراد الله لنبيه العزة والتمكين، فكانت الريادة والقيادة علي أهل مصر فيما يبرعون فيه في ذلك الزمان.

كانت خطة النبي يوسف الزراعية لإدارة الأزمة والخطر القادم والمنتظر علي أرض مصر مقسمة إلى جزأين:

( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إلا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُون) (1).

wheat
يوسف الصديق عزيز مصر

الجزء الأول:

[قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا]

وهو السبع سنوات الأولى سنوات الوفرة والخير وهطول المطر وفيضان ماء النيل، فعمد إلى استغلال كل أرض تصلح للزراعة، نظم الدورات الزراعية، العمل المستمر والدؤوب أصبح إلزاميا، تنبأ بأماكن هطول الأمطار، وزع البذور والتقاوي علي جميع المزارعين في جميع أقاليم مصر، طبق كل أساليب تعظيم الإنتاج، وتحقيق أقصى عائد خلال السنوات السبع.

الإنتاج الوفير فقط لم يكن عاملا لتحقيق أقصى مخزون من الحبوب، بل عمد إلي تغيير السلوكيات الاستهلاكية لأهل مصر، وحثهم علي الادخار، والاقتصاد قدر الإمكان، واستهلاك الحبوب حسب الحاجة فقط.

وقد نجحت خطته نجاحا كبيرا بتوفيق الله وإرادته وحقق إنتاجا وفيرا، لدرجة وفود القبائل من الدول المجاورة للحصول علي الحنطة أو القمح من مصر في سنوات القحط.

الجزء الثاني:

[ فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ] (47)

السبع سنوات العجاف، مهما كان حجم المحصول من الحبوب فإنه لن يصمد لسنوات، ولم يعهد أهل مصر تخزين الحبوب، فالأرض تجود بالزرع سنويا ولم يتوقعوا فاجعة كهذه وجفافا وقحطا لسبع سنوات، فكان العلم من عند الله لنبيه الصديق يوسف، بأساليب التخزين وإداراتها.

ذروا القمح في سنبله لسبع سنوات، ولكن عند أي عمر يتم الحصاد ومن أي جزء يتم القطع، وهل يترك في الحقل أم يغطى أم يعبأ في زكائب أم يخزن في غرف، وجوده في سنبله سيحفظه من الضمور والتلف، وماذا عن الآفات والقوارض التي ستلتهمه حينما يصيبها الجوع، وما شكل وتصميم ذلك البناء أو الصومعة أو المخزن المطلوب وأرضية المخزن مم تصنع؟ لتجنب القمح الرطوبة، وتحميه من آفات الأرض، ومتى وكيف يتم إغلاق المخزن، وأيضا متى وكيف يفتح للتداول والاستهلاك؟ دون أن يتعرض للإصابة بآفة أو يتعرض للتلف، تلك الأمور الفنية علمها الله لنبيه، واستحق بها أرفع منصب في الدولة وهو عزيز مصر.

بذلك تعتبر قصة نبي الله يوسف الصديق عزيز مصر مع الزراعة إداريا وفنيا واقتصاديا هي أقدم وأنجح قصة من قصص النجاح الزراعي في وقت لم تتوفر فيه فنون الإدارة ولا مبادئ السعة الإنتاجية ولا نظريات تعديل السلوك الاستهلاكي البشري ولا قوانين ونظريات تحليل المخاطر المحتملة، ووضع خطط مستقبلية على أساس المعطيات في الوقت الحاضر في ذلك الزمان.

الدروس المستفادة من قصة ريادة يوسف الصديق عزيز مصر للزراعة وموارد الدولة:

الفلاح يعرف الزراعة بالوراثة

وهو خبير بها فنيا، لكن دورك كمهندس زراعي في مؤسسة خاصة، أو مرشد زراعي في جهة حكومية، هو النهوض بتلك المؤسسة وتطوير الإجراءات الفنية التي يقوم بها المزارعون لتتواكب مع الحديث من العلوم الزراعية لتحقيق أقصى عائد مع أقل تكلفة.

إدارة مؤسسة زراعية

سواء كنت مالكا لها أو مهندسا زراعيا مسؤولا عنها ليس الغاية من وجود المهندس هو تحقيق أقصي حجم إنتاج وتطبيق كل المعايير الفنية الزراعية فقط، بل لابد أن يدار العمل بشكل متوازن ومتكامل بين السوق والعرض والطلب والأسعار والتوقعات المستقبلية، وبالتالي إذا كنت في تخصص ما في كلية الزراعة ووجدت مقررات مثل الإحصاء ، الاقتصاد الزراعي ، التسويق الزراعي، الرياضيات ..إلخ فلا تتذمر وتعترض وتعتقد أنه لا علاقة لتخصصك بتلك المقررات المعقدة، فتلك أدوات عملك كقائد زراعي ومسؤولا عن مؤسسة بأكملها.

الزراعة ليست مهنة مهينة كما يعتقد الغالبية

يوسف الصديق عزيز مصر

البعض يسخر من الزراعة ومن منتسبيها سواء كانوا مزارعين أو طلبة أكاديميين أو فنيين أو مهندسين، الزراعة والرعي والنجارة والخراطة  والتجارة كانت مهن أنبياء الله، ولو كان هذا فقط فيكفي ممارسها الفخر والشرف…فلا تخجل أبدا كونك منتسبا أو خريجا من إحدى كليات الزراعة، أو تعمل وتمتهن الزراعة كمهنة.

الأسلوب العلمي والإداري

الأسلوب المتكامل للقائد والمدير الزراعي حتما سيحقق النجاحات المرجوة، طبق نبي الله يوسف الصديق عزيز مصر  كل الأسباب الفنية الإنتاجية، والإدارية وتوزيع وتقسيم وتنظيم العمل أو التخطيط الزراعي، طبق الاقتصاد وعدل السلوك ونشر الوعي بثقافة الادخار، مارس التجارة الدولية مع البلدان المجاورة ، وبذلك التكامل الإداري، نجح في إدارة أزمة مدتها 14 سنة، ازمة كانت ستتسبب في هلاك الآلاف من أهل مصر والبلدان المجاورة لها.

أما عن سبب اختيارنا لقصة يوسف الصديق عزيز مصر لتتربع على عرش قصص نجاح مهندسين زراعيين لدينا في قسم واحة ريستـــارت فهذا لأنها تجربة زراعية ناجحة.

نلحظ فيها كل أساليب العلم والاقتصاد والإدارة والتخطيط والأرصاد وتحليل المخاطر وتقسيم العمل الإداري والخبرة الفنية الزراعية.

القصة ملهمة ومفيدة لطالبٍ دائم التذمر والشكوى من دراسة مقررات خارج تخصصه مثل التحليل الإحصائي والاقتصاد.

وهذا لأن النجاح في مجالنا لا يتوقف فقط على الإنتاج، وإنما الكثير من الحسابات والعوامل الأخرى.

Show Comments (4)
error: Content is protected !!