الثورة الزراعية في كوبا – 3 أسرار للوصول للاكتفاء الذاتي

0

الثورة الزراعية في كوبا هي مثال ضمن مئات الأمثلة حول العالم لدول اعتمدت اعتمادًا كليًا على الزراعة في سبيل التخلص من أزمات التضخم والغلاء.

وعند تحليل هذه الأمثلة نجد أنهم واجهوا من الصعوبات الكثير، فبعض الدول مناخها ليس مثاليًا لإنتاج المحاصيل وبعض الدول تعاني من فقر التربة، ويتحايل الثوار الزراعيون على هذه العقبات في سبيل نجاح ثوراتهم الزراعية.

بينما في بلادنا العربية عامة، وفي وادي النيل على وجه الخصوص، تكاد المحاصيل تزرع نفسها بنفسها، فالمناخ معتدل إلى حد كبير على مدار العام والتربة خصبة والمياه متوفرة واليد العاملة ذات خبرة فنحن ورثنا فنون الزراعة كابرًا عن كابر وعلمنا العالم كله.

فما الذي ينقصنا لنحذو حذو هذه الدول؟ لماذا لا تنتفض أرضنا بأيدينا لتنطلق ثورة زراعية تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتحد من جنون غلاء الأسعار والتضخم؟

الزراعة هي المصدر الرئيسي للغذاء سواءً بمنتجاتها الحيوانية أو النباتية، ولم تعد تقتصر الزراعة على الأراضي الخصبة والمساحات الشاسعة، بل أصبح بالإمكان الزراعة في مؤسسات أشبه بالمصانع تسمى الزراعة العمودية، يمكن زراعة الأسطح والفناء الخلفي والبلكونات وحتى الزراعة في الأحواض والأواني البلاستيكية، يمكن إنتاج المئات من محاصيل الخضر الورقية والثمرية تكفي لسد حاجة المنزل من الغذاء.
التكنولوجيا الزراعية وتوافر المعلومات على شبكة الانترنت جعل بإمكان أي فرد غير متخصص أن يرعى ويزرع أي محصول بكفاءة، فقط نحتاج للمبادرة والتنفيذ كما فعلت دولة كوبا واستخدمت الزراعة كأداة للنجاة من أزمة غذائية طاحنة كادت تفتك بها وبشعبها.

دعونا نسرد تجربة دولة كوبا في مواجهة أزمة الغذاء وارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية بسرد تجربة الثورة الزراعية في كوبا.

الثورة الزراعية في كوبا

كانت كوبا تعتمد اعتمادًا كبيرًا على النفط المستورد من الاتحاد السوفيتي، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي وفي ظل حصار أمريكي قاسي تعرضت “كوبا ” لأسوأ أزمة غذائية في تاريخها.

دفعتها تلك الأزمة إلى البحث عن حلول عاجلة للخروج من المأزق، ولم تكن الحلول نمطية بل كانت جديدة وغير مسبوقة.

أركان الثورة الزراعية في كوبا

الثورة الزراعية في كوبا 2 1

ماذا فعلت دولة كوبا بشكل عملي لمواجهة أزمة الغذاء والتضخم؟

زراعة كل شبر

شجعت الدولة الناس على زراعة كل المساحات الفضاء التي تتخلل المدن، الفناءات الخلفية للمنازل، البلكونات، الأسطح، الممرات، بالإضافة الي المدارس، المستشفيات، المؤسسات الحكومية والخاصة، وحتى الأماكن غير الصالحة للزراعة فتم زراعتها في عبوات أو أجولة عبر تربة بديلة أو منقولة.

استغلال المخلفات

قاموا بتطبيق نظم عضوية وشبه عضوية في أسلوب الزراعة حيث قاموا بتحويل النفايات العضوية إلى كمبوست (سماد عضوي) لتغذية النبات.

اللجوء للطبيعة

اعتمدوا في مكافحة الآفات التي تهاجم الزراعات والمحاصيل على المكافحة الطبيعية للآفات الحشرية وأمراض النبات والحشائش الضارة، ومنعوا منعًا تامًا تطبيق المكافحة بالمبيدات في زراعات المدن.

دور الحكومة في نجاح الثورة الزراعية في كوبا

ولتشجيع التجربة قامت الدولة بالآتي:

  • أتاحت حكومة كوبا الأراضي غير المستغلة داخل المدن للناس لمدد طويلة دون تكاليف إيجار.
  • فتحت أسواقًا جديدة للمحاصيل والمنتجات الزراعية.
  • شجعت المؤسسات على تسويق منتجاتها ذاتيًا للعاملين بها.
  • قامت بتفعيل دور مؤسسات الإرشاد الزراعي بمختلف المناطق الكوبية، والجمعيات الزراعية والتعاونيات تمد الناس بمستلزمات الإنتاج من بذور وتقاوي وأسمدة عضوية ومبيدات طبيعية، فأصبح في العاصمة الكوبية هافانا مئات من البساتين الزراعية.
  • بالتوازي مع زراعة المدن ركزت الحكومة الكوبية على تفكيك المزارع الكبرى إلى مزارع أصغر؛ لكي تكون أكثر سهولة في إداراتها وأقدر على تحمل ممارسات الزراعة المستدامة.
  • في هذه المزارع الكبيرة استبدلت كوبا الجرارات الزراعية بالثيران لحرث الأراضي (بسبب عدم توافر الوقود) وإلى يومنا هذا يعمل حوالي 300 ألف ثور في الأعمال الزراعية في المزارع الكوبية، بالإضافة إلى أكثر من 200 مركز للمكافحة البيولوجية في جميع أنحاء كوبا تنتج كل عوامل المكافحة الحيوية من بكتريا وفطريات وحشرات نافعة.

نتائج الثورة الزراعية في كوبا

ماذا حققت كوبا من تلك السياسات الثورية في قطاع الزراعة؟

  • تمكنت كوبا من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات مثل الخس، الجزر، الطماطم، الأفوكادو، الخيار، بالإضافة إلى
    النباتات والأعشاب الطبية وغيرها الكثير من المحاصيل النباتية.
  • استطاعت كوبا أيضًا توفير كثير من المنتجات الزراعية الحيوانية مثل الدواجن والرومي والأرانب وغيرها اعتمادًا على تجفيف النفايات العضوية من بقايا الطعام وتحويله إلى أعلاف.
  • لم تقتصر التجربة الكوبية على توفير غذاء ذو جودة كبيرة وخالٍ من الملوثات الكيميائية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الخضروات وبعض الفواكه.
  • بل قدمت عديد من الفوائد الأخرى المهمة لصالح البيئة والمناخ، مثل:
    إسهامها في خفض الاحتباس الحراري.
  • الحد من ظاهرة تغير المناخ العالمية نتيجة لاستخدام النباتات لثاني أكسيد الكربون وضخها للأكسجين.
  • استبدال الجرارات الزراعية التي تطلق انبعاثات غازية ضارة من حرق الوقود بالثيران.
  • تحسين جودة الهواء بالمدن
  • توفير مئات الآلاف من فرص العمل للعاطلين عن العمل.
  • وقد ساهم ذلك بشكل فعال في الحد من الجرائم خاصة مع سكان العشوائيات وأحياء الصفيح.

في ثورة كوبا الخضراء استطاعت حوالي 380 ألف مزرعة عائلية منها 150 ألف مزرعة بيئية من إنقاذ كوبا من المجاعة وأزمة الغذاء، وهي التي جعلت كوبا تصمد أمام تلك الأزمة والتي بمقدورها أن تطيح بدول غير كوبا خلال أسابيع عندما تحل بها.

كوبا بين الماضي والحاضر

لقد واصل الكوبيون الإنتاج دون الاعتماد على مدخلات الإنتاج الخارجية، لذلك تم التحول من الزراعة الأحادية إلى الزراعة المتنوعة.

كما تحولت كوبا من الزراعة الكيماوية، حيث كانت تستورد في السابق 23 ألف طن مبيدات لتستعملها في الزراعة الأحادية، فأصبحت بعد العام 2000 تستعمل ألف طن فقط.

حاليًا تنتج كوبا الغذاء للاستهلاك المحلي بدل إنتاج السلع الزراعية للتصدير؛ فنجد المزارع متحرراً من الأزمات وبلا ديون تثقل عاتقه كما يعاني معظم مزارعي بلداننا العربية.

تعد تجربة كوبا نموذجًا مهمًا في الإمداد الذاتي من الغذاء، ومن السهل تعميم التجربة في مناطق كثيرة من العالم والتي تعاني من الفقر أو من أزمات نقص الموارد والتضخم وارتفاع الأسعار.

في مصر والعديد من الدول العربية قد تكون التجربة الكوبية حلًا جذريا ومثاليًا لمشكلات التقلبات السعرية للخضروات والفاكهة في الآونة الأخيرة.

مصر بلد زراعي والزراعة هي الأمل في توفير العملة الصعبة، لأنها القطاع الإنتاجي الأكبر في الماضي والحاضر والمستقبل في مصر، والمنتجات الزراعية هي الاكثر والأدوم في الطلب العالمي.

Leave a comment
error: Content is protected !!